[align=center]
النقاب حارس الحياء
إن الوجه المصون بالحياء، كالجوهر المكنون في الوعاء، ولن تتزين امرأة بزينة هي أحمدُ ولا أجملُ من برقع الحياء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " وما كان الحياء في شيءٌ إلا زانه " (1).
ولقد أبرز القرآن الكريم خلق الحياء في ابنتي الرجل الصالح، اللتين انحدرتا من بيت كريم، كله عفة وطهارة، وحسن تربية، وآية ذلك ما حكى القرآن من صيانتهما وحيائهما.
فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في تفسير قوله - تعالى -: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء} (25) سورة القصص.
قال: (ليست بِسَلْفع (2) من النساء خرَّاجة ولاَّجة، ولكن جاءت مستترة، قد وضعت كُمَّ دِرْعها على وجهها استحياءً) (3).
ورواه ابن أبي حاتم فقال: حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر - رضي الله عنه -: (جاءت تمشي على استحياء، قائلةً بثوبها على وجهها، ليست بِسَلْفعٍ من النساء ولاَّجة خرَّاجة) (4).
وعن عائشة رضي الله عنها- قالت: (كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي - رضي الله عنه - واضعةً ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفن عمر - رضي الله عنه -، والله ما دخلتُهُ إلا مشدودةً عَلَيَّ ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه -) (5).
وروى البخاري في صحيحهِ بسندهِ عن فاطمة - عليها السلام - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " جاءها وعليًّا - رضي الله عنه - وقد أخذ مضاجعهما...." الحديث، وفيه في رواية على بن أعبد: " فجلس عند رأسها، فأدخلت رأسها في اللفاع، حياءً من أبيها " الحديث (6).
والحادثة التالية إن صحت تجسد قيمة الحياء:
عن فرج بن فضالة عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها أم خلاد وهي منتقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ابنك له أجر شهيدين "، قالت: ولمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: " لأنه قتله أهل الكتاب " (7).
ومما يؤكد ارتباط تغطية الوجه بشدة الحياء ما ثبت: عن أمة سلمة - رضي الله عنها - قالت: جاءت أم سُلَيم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا رأت الماء "، فغَّطت أم سلمة ( تعني وجهها وقالت يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: " نعم، تربت يمينك، ففيم يشببها ولدها؟ " (9).
ومما يذكر في كتب التاريخ والأدب أن النابغة أحد فحول الشعر الجاهلي قد مرت بهِ امرأة النعمان في مجلس فسقط نصيفها (أي: برقعها) الذي كانت قد تقنعت به فسترت وجهها بذراعيها وانحنت على الأرض ترفع النصيف بيدها الأخرى، فطلب النعمان من النابغة أن يصف هذه الحادثة في قصيدة، فعمل القصيدة التي مطلعها:
أمن آل مية رائح ومغتدي * * * عجلان ذا زاد وغير مزود.
إلى أن قال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * * * فتناولته واتقتنا باليد.
إن التجرد من خلق الحياء مدرجة الهلاك، والسقوط من درك إلى درك إلى أن يصبح الإنسان صفيق الوجه، وينزع منه خلق الإسلام، فيجتريء على المخالفات، ولا يبالي بالمحرمات، وهناك تلازم بين ستر ما أوجب الله ستره، وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر
عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان:
فمن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح التكشف والحياء منه.
قال - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} (26) سورة الأعراف.
قال الشاعر:
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى * * * تقلب عريانًا وإن كان كاسيًا.
وخير خصال المرء طاعة ربه * * * ولا خير فيمن كان لله عاصيًا.
إن مسارعة آدم وحواء إلى ستر عوراتهما بأوراق الشجر دليل على أن الحياء عنصر أصيل مركوز في فطرة الإنسان، فعليه أن يهتم بهِ، ويحافظ عليه، ويصونه من أن يُثلم، ففي صيانته، وسلامته سلامة للفطرة من أن تمسخ أو تحرف، لأن في انحرافها مسخًا وتشويهًا لآدميته، ولأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، فمن تمسك بهِ فقد تحصن ضد الشيطان، وأغلق في وجهه بابًا منيعًا، لو قدر له أن يدخل منه، لنال صاحبَه شر عظيم، والعياذ بالله.
إذا لم تخش عاقبة الليالي * * * ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خيرٌ * * * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
والحمد لله رب العالمين
..................
(1) عجز حديث عن أنس - رضي الله عنه - الترمذي رقم (1975) في البر والصلة: باب ما جاء في الفحش والتفحش، وحسَّنه، وابن ماجة رقم (4185) في الزهد: باب الحياء، والإمام أحمد (3/165)، والبخاري في " الأدب المفرد " (2/601).
(2) امرأة سلفع: سليطة جريئة، قال في " لسان العرب": " وفي الحديث: شرهن السلفعة البلقعة: البذاية الفاحشة القليلة الحياء، ورجل سلفع: قليل الحياء، وفي حديث أم الدرداء: ((شر نسائكم السلفعة)) هي الجريئة على الرجال، وأكثر ما يوصف به المؤنث، وهو بل اهاء أكثر، ومنه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-في قوله- تعالى- :{فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء} (25) سورة القصص، قال: ليس بسلفع أهـ مختصرًا. (10/35-36).
(3) أخرجه الفريابي، وابن أبي شيبة في " المصنف "، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. أهـ. من الدر المنثور (5/124).
(4) ذكره ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم، وقال: " هذا إسناد صحيح " أهـ من تفسير القرآن العظيم (6/238)، وقال ابن كثير في تفسير الآية: (أي: تمشي مشي الحرائر، كما رويَّ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: (كانت مستترة بكم ذراعها) أهـ (6/238)، وانظر المستدرك (2/407).
(5) " السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين " ص 19، وقد روى نحوه الحاكم (4/7) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه " وسكت عنه الذهبي.
(6) فتح الباري لابن حجر (11/125).
(7) رواه أبو داود (3/5-6) رقم (2488) في الجهاد: باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم، وفي إسناده عبد الخبير بن ثابت قال البخاري: (روى عن فرج بن فضالة، حديثه ليس بالقائم، فرج عنده مناكير)، وقال أبو حاتم الرازي: (عبد الخبير حديثه ليس بالقائم، منكر الحديث) انظر مختصر المنذري (3/395).
( قال الحافظ: (في مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضًا، ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين) أهـ. من الفتح (1/277).
(9) رواه البخاري رقم:130، في العلم: باب الحياء في العلم وانظر في الفتح (1/276).
منقووول[/align]
النقاب حارس الحياء
إن الوجه المصون بالحياء، كالجوهر المكنون في الوعاء، ولن تتزين امرأة بزينة هي أحمدُ ولا أجملُ من برقع الحياء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " وما كان الحياء في شيءٌ إلا زانه " (1).
ولقد أبرز القرآن الكريم خلق الحياء في ابنتي الرجل الصالح، اللتين انحدرتا من بيت كريم، كله عفة وطهارة، وحسن تربية، وآية ذلك ما حكى القرآن من صيانتهما وحيائهما.
فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في تفسير قوله - تعالى -: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء} (25) سورة القصص.
قال: (ليست بِسَلْفع (2) من النساء خرَّاجة ولاَّجة، ولكن جاءت مستترة، قد وضعت كُمَّ دِرْعها على وجهها استحياءً) (3).
ورواه ابن أبي حاتم فقال: حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر - رضي الله عنه -: (جاءت تمشي على استحياء، قائلةً بثوبها على وجهها، ليست بِسَلْفعٍ من النساء ولاَّجة خرَّاجة) (4).
وعن عائشة رضي الله عنها- قالت: (كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي - رضي الله عنه - واضعةً ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفن عمر - رضي الله عنه -، والله ما دخلتُهُ إلا مشدودةً عَلَيَّ ثيابي حياءً من عمر - رضي الله عنه -) (5).
وروى البخاري في صحيحهِ بسندهِ عن فاطمة - عليها السلام - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " جاءها وعليًّا - رضي الله عنه - وقد أخذ مضاجعهما...." الحديث، وفيه في رواية على بن أعبد: " فجلس عند رأسها، فأدخلت رأسها في اللفاع، حياءً من أبيها " الحديث (6).
والحادثة التالية إن صحت تجسد قيمة الحياء:
عن فرج بن فضالة عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها أم خلاد وهي منتقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ابنك له أجر شهيدين "، قالت: ولمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: " لأنه قتله أهل الكتاب " (7).
ومما يؤكد ارتباط تغطية الوجه بشدة الحياء ما ثبت: عن أمة سلمة - رضي الله عنها - قالت: جاءت أم سُلَيم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا رأت الماء "، فغَّطت أم سلمة ( تعني وجهها وقالت يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: " نعم، تربت يمينك، ففيم يشببها ولدها؟ " (9).
ومما يذكر في كتب التاريخ والأدب أن النابغة أحد فحول الشعر الجاهلي قد مرت بهِ امرأة النعمان في مجلس فسقط نصيفها (أي: برقعها) الذي كانت قد تقنعت به فسترت وجهها بذراعيها وانحنت على الأرض ترفع النصيف بيدها الأخرى، فطلب النعمان من النابغة أن يصف هذه الحادثة في قصيدة، فعمل القصيدة التي مطلعها:
أمن آل مية رائح ومغتدي * * * عجلان ذا زاد وغير مزود.
إلى أن قال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * * * فتناولته واتقتنا باليد.
إن التجرد من خلق الحياء مدرجة الهلاك، والسقوط من درك إلى درك إلى أن يصبح الإنسان صفيق الوجه، وينزع منه خلق الإسلام، فيجتريء على المخالفات، ولا يبالي بالمحرمات، وهناك تلازم بين ستر ما أوجب الله ستره، وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر
عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان:
فمن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح التكشف والحياء منه.
قال - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} (26) سورة الأعراف.
قال الشاعر:
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى * * * تقلب عريانًا وإن كان كاسيًا.
وخير خصال المرء طاعة ربه * * * ولا خير فيمن كان لله عاصيًا.
إن مسارعة آدم وحواء إلى ستر عوراتهما بأوراق الشجر دليل على أن الحياء عنصر أصيل مركوز في فطرة الإنسان، فعليه أن يهتم بهِ، ويحافظ عليه، ويصونه من أن يُثلم، ففي صيانته، وسلامته سلامة للفطرة من أن تمسخ أو تحرف، لأن في انحرافها مسخًا وتشويهًا لآدميته، ولأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، فمن تمسك بهِ فقد تحصن ضد الشيطان، وأغلق في وجهه بابًا منيعًا، لو قدر له أن يدخل منه، لنال صاحبَه شر عظيم، والعياذ بالله.
إذا لم تخش عاقبة الليالي * * * ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خيرٌ * * * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
والحمد لله رب العالمين
..................
(1) عجز حديث عن أنس - رضي الله عنه - الترمذي رقم (1975) في البر والصلة: باب ما جاء في الفحش والتفحش، وحسَّنه، وابن ماجة رقم (4185) في الزهد: باب الحياء، والإمام أحمد (3/165)، والبخاري في " الأدب المفرد " (2/601).
(2) امرأة سلفع: سليطة جريئة، قال في " لسان العرب": " وفي الحديث: شرهن السلفعة البلقعة: البذاية الفاحشة القليلة الحياء، ورجل سلفع: قليل الحياء، وفي حديث أم الدرداء: ((شر نسائكم السلفعة)) هي الجريئة على الرجال، وأكثر ما يوصف به المؤنث، وهو بل اهاء أكثر، ومنه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-في قوله- تعالى- :{فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء} (25) سورة القصص، قال: ليس بسلفع أهـ مختصرًا. (10/35-36).
(3) أخرجه الفريابي، وابن أبي شيبة في " المصنف "، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. أهـ. من الدر المنثور (5/124).
(4) ذكره ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم، وقال: " هذا إسناد صحيح " أهـ من تفسير القرآن العظيم (6/238)، وقال ابن كثير في تفسير الآية: (أي: تمشي مشي الحرائر، كما رويَّ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: (كانت مستترة بكم ذراعها) أهـ (6/238)، وانظر المستدرك (2/407).
(5) " السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين " ص 19، وقد روى نحوه الحاكم (4/7) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه " وسكت عنه الذهبي.
(6) فتح الباري لابن حجر (11/125).
(7) رواه أبو داود (3/5-6) رقم (2488) في الجهاد: باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم، وفي إسناده عبد الخبير بن ثابت قال البخاري: (روى عن فرج بن فضالة، حديثه ليس بالقائم، فرج عنده مناكير)، وقال أبو حاتم الرازي: (عبد الخبير حديثه ليس بالقائم، منكر الحديث) انظر مختصر المنذري (3/395).
( قال الحافظ: (في مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضًا، ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين) أهـ. من الفتح (1/277).
(9) رواه البخاري رقم:130، في العلم: باب الحياء في العلم وانظر في الفتح (1/276).
منقووول[/align]